أثار القتال بين إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة وإيران في يونيو، وفق تحليل ستيفاني هاوسهير علي وكرانستون كلاين، تساؤلات جديدة حول إمكانية التوصل إلى اتفاق مع طهران بعد أن زادت عزلتها على الساحة الدولية. وبيّن وقف إطلاق النار الأخير بين إسرائيل وحماس كيف يمكن للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حين يتدخل مباشرة ويستخدم نفوذ بلاده بالكامل مع تكتيكات تفاوضية مبتكرة، أن يجعل المستحيل ممكنًا. إلا أن أمام الأطراف كافة — إسرائيل، الفلسطينيين، الولايات المتحدة، والمنطقة — طريقًا طويلًا لضمان ألا تشتعل الحرب مجددًا. ويبدو أن ترامب وفريقه قد يحاولون استثمار زخم الهدنة في غزة لبناء اتفاق إقليمي أوسع يشمل إيران، كما لمح في خطابه أمام الكنيست هذا الشهر.
يشير المقال الصادر في أتلانتيك كاونسل إلى وجود مسارين محتملين: الأول يقود إلى اتفاق تفاوضي طويل الأمد، والثاني إلى هدنة هشة تتخللها مواجهات دورية. لكل منهما مخاطر وفرص واضحة.
في السيناريو الأول، قد يتطلب عقد "صفقة كبيرة وجميلة" أن تعرض واشنطن على طهران مسارًا لرفع العقوبات ودمجها في مشاريع التنمية الإقليمية مع ضمان حمايتها من هجوم إسرائيلي جديد. ورغم العراقيل، فإن اتفاقًا من هذا النوع سيعود بفوائد كبيرة على كل الأطراف وربما يمنح ترامب جائزة نوبل للسلام. وقد ناقش المستشار الأمريكي السابق للأمن القومي ستيفن هادلي والخبير الإيراني فالي نصر خلال منتدى أسبن للأمن إمكانية أن يدفع هذا الاتفاق إيران لإعادة التفكير في توجهها، خصوصًا بعد انكشاف ضعفها العسكري في حرب يونيو.
في المقابل، تحتاج إيران إلى الالتزام بمستوى تخصيب لا يتجاوز 3.6% لأغراض مدنية، والخضوع لرقابة صارمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ويمكن لإيران حفظ ماء وجهها عبر مشروع تخصيب مشترك خارج حدودها بتمويل خليجي، كما اقترحت سابقًا قبل اندلاع الحرب. وربما تطلب الولايات المتحدة أيضًا من إيران تقليص برنامجها الصاروخي ووقف دعمها للجماعات المسلحة مثل حزب الله والحوثيين وحماس والميليشيات العراقية. وهي ملفات لم يتطرق إليها الاتفاق النووي لعام 2015 الذي انسحب منه ترامب عام 2018.
لكي يتحقق هذا السيناريو، يجب أن ترى طهران أن الصفقة المقترحة أفضل من جميع البدائل. فالنظام الإيراني أنفق مليارات على برنامجه النووي ويراه ضمانة للبقاء ورمزًا للفخر الوطني. ومع تراجع حلفائه في المنطقة، أصبح البرنامج النووي ورقته الأخيرة. ولذا سيواجه أي مفاوض إيراني ضغوطًا من الحرس الثوري والمتشددين للحفاظ على ما يعدونه "قدرات وجودية" للنظام.
على الجانب الأمريكي، يتعين على واشنطن استعادة ثقة طهران والتركيز بعناية على التفاوض، مع تقديم ضمانات بعدم الانسحاب من الاتفاق إلا وفق شروط محددة، ووضع صيغة تمنع إسرائيل من مهاجمة إيران مقابل التزامات إيرانية بوقف التسلح النووي ودعم الميليشيات. ولإقناع إسرائيل، قد تضطر الولايات المتحدة إلى تقديم حوافز دفاعية واتفاقات تهدئة جديدة تشمل الحوثيين.
لكن هذا السيناريو يظل صعب التحقيق بسبب تعقيد القضايا وتضارب مصالح الأطراف. فإسرائيل لا تثق في المفاوضات وقد تشن هجومًا مفاجئًا ينسف أي تقدم.
أما السيناريو الثاني فيدور حول حالة "الجمود السام"، حيث تبقى المخاوف الأمريكية من البرنامج النووي الإيراني بلا حل، ويستمر خطر اندلاع حرب جديدة. وتشير تصريحات وزير الخارجية الإيراني الأخيرة إلى أن طهران منفتحة على مقترح "متوازن وعادل"، لكنها ترفض التخلي عن "حقها في التخصيب"، وهو ما ترفضه واشنطن.
في هذا المسار، قد تعود إسرائيل إلى شن هجمات داخل إيران إذا تجاوزت الأخيرة خطوطًا حمراء، كمنع دخول مفتشي الوكالة الدولية أو استئناف التخصيب العالي أو إعادة تسليح وكلائها الإقليميين. وقد تشارك الولايات المتحدة في هذه الضربات، ما يرهق ترسانتها الدفاعية التي تعاني أصلًا من نقص في صواريخ الاعتراض. وتكبدت إسرائيل خسائر بشرية واقتصادية كبيرة، كما تراجعت جاهزية قوات الاحتياط إلى نحو 60% بعد سنوات من القتال في غزة.
أي صراع جديد قد يؤدي إلى تغييرات داخلية في إيران وربما إلى فوضى أو نظام أشد تشددًا. وقد تسعى طهران إلى الرد بعنف أكبر، مستفيدة من دروس الحرب السابقة عبر تطوير أدواتها العسكرية وتنفيذ ضربات استباقية دون انتظار أوامر مباشرة من القيادة. في المقابل، قد تستخدم الحرب السيبرانية أو العمليات غير التقليدية لفرض كلفة باهظة على خصومها.
المخاطر لا تقتصر على الأطراف المتحاربة؛ إذ يمكن لأي سوء تقدير أن يشعل نزاعًا واسعًا يضر بالمصالح الأمريكية والدولية في المنطقة. الحروب المتكررة تهدد الاستثمارات والتجارة والطاقة والملاحة في الخليج، كما تزيد توتر دوله التي تخشى أن تتحول إلى أهداف.
في الخلاصة، يمثل الاتفاق الشامل أفضل نتيجة ممكنة لكنه الأصعب تحقيقًا بسبب انعدام الثقة وتصلب المواقف. وإذا استمرت الأوضاع الحالية، فقد تنزلق المنطقة إلى حالة من الجمود المتوتر تتخللها انفجارات متكررة للنزاع، بينما يظل الأمل قائمًا بأن ينجح ترامب ومستشاروه في تحويل المواجهة إلى فرصة لسلام أكثر استقرارًا وازدهارًا.
https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/will-the-us-achieve-a-big-beautiful-iran-deal-or-stall-in-homeostasis/

